حديث الــــــــــروح ....للمفكر الاسلامي الباكستاني /محمـــــــد إقبالْ 1ـــ3

حديث الروح


لـ « محمد إقبال»

للشاعر والمفكر علامة/محمد إقبال

اختيار وتقديم الشاعر د. / عبدالرحيم قحطان

لطالما رددنا النشيد الإسلامي ونحن صغاراً:

الصين لنا والعرب لنا والهند لنا والكل لنا

أضحى الاسلام لنا دينا وجميع الكون لنا وطنا

ياظل حدائق أندلس أنسيت مغاني عشرتنا

وعلى أغصانك أوكارٌ عمرت بطلائع نشأتنا

يادجلة هل سجلت على شطّيك مآثر عزتنا

أمواجك تروي للدنيا وتعيد جواهر سيرتنا

ياأرض النور من الحرمين وياميلاد شريعتنا

فكنا نهيم طرباً نغالب الدموع ونحن نجول في ثنايا المعاني التي تحملها هذه الأبيات والتي كانت أكبر من وعينا إلاأن ماتحمله من عاطفة جياشة وصدق تعبير ومحاولة لشحذ الهمم كل ذلك قد جعلها مغروسة بأوتاد من الشاعرية لاتزال تمدنا بألقها حتى هذه اللحظة.

ولما تخطانا العمر قليلاً رأيتنا نقتات من هذا البستان الشعري مجلتين من بعيد نلتمس من ذلك الغذاء مايقيم أود قرائحنا فإذا بنا نلهج بأبيات تفيض أسفاً وحرقة وتحسراً على واقع كان يجب أن لانكون- كمسلمين- من ضحاياه فتدفعنا عاطفتها الطافحة إلى أن نتحامل على جراحاتنا ونتغنى بها باكين ماضينا مفزوعين من حاضرنا يائسين من مستقبلنا:

كنا جبالاً في الجبال وربما سرنا على موج البحار بحارا

لم تنسَ أفريقيا ولا صحراؤها سجداتنا والأرض تلفح نارا

وكأن ظل السيف ظل حديقة خضراء تنبت حولنا الأزهارا

لم تخش طاغوتاً يحاربنا ولو نصب المنايا حولنا أسوارا

ندعو جهاراً لا إله سوى الذي صنع الوجود وقدر الأقدارا

ورؤوسنا يارب فوق أكفنا نرجو ثوابك مغنماً وجوارا

كنا نرى الأصنام من ذهب فنهدمها ونهدم فوقها الكفارا

لو كان غير المسلمين لحازها كنزاً وصاغ الحلي والدينارا

لما أطل محمد زكت الربى واخضر في البستان كل هشيم

وأذاعت الفردوس مكنون الشذى فإذا الورى في نضرة ونعيم

وكم تمنيت لو كنت قائل هذه الأبيات وأنى لي أن أكون وأسباب العبقرية التي أنجبت الدكتور محمد اقبال يستحيل أن تكون أو أن تتوفر في بلد أنا أحد حيواناتها من الصعب جداً أن نضع تعريفاً لمفكر عظيم وفيلسوف نقى في هذه العجالة المقتضبة لأن ماأنتجه الشاعر محمد اقبال أكبر من أن تحيط به صفحات أو كتب لأن أكثر من 2000 كتاب ودراسة في جوانب من حياة هذا الشاعر قد ألفت إلا أن إلحاح الزميل الصديق والكاتب الحر الأستاذ محمد اللطيفي قد دفعني إلى أن أكتب على استحياء هذه المقدمة لاسيما وأن لي مع هذا العملاق لقاءات تكررت حيث كنت كلما ضاقت بي مدينة لاهور العتيقة أثناء دراستي في الكلية الشرقية بجامعة البنجاب باكستان بسبب الاضطهاد العلمي في هذه الجامعة المعقدة والتي درَّس فيها الشاعر محمد اقبال فلسفة الأدب والتاريخ أول سنوات القرن العشرين أفزع لزيارة مسجد «بادشاهي» فأقف وقفة إجلال وإكبار أقرأ الفاتحة على قبر هذا العملاق مثلي مثل الباكستانيين الذين لايلجون المسجد إلا بعد الطواف على قبره وقراءة فاتحة الكتاب رغم أني لست أهلاً لأن ألم بمناقب هذا الشاعر الذي أنحصرت حياته من خلال انتاجه حسب قراءتي العجلى في:

1 - قضايا أمته الاسلامية

وأول دليل على فرض هذه النقطة على العالم موقفه في مؤتمر المائدة المستديرة في أول الثلاثينات من القرن المنصرم حيث وضع بقوة قضايا المسلمين المضطهدين في الهند وخروجه بأعظم مشروع اسلامي عملي في العصر الحديث وهو تكوين دولة باكستان.

2 - تركيزه على معالجة الذات

كانطلاقة للنصر على جميع المستويات ومحاولته إيقاظ الإنسان عامة ويمكن ملاحظة ذلك من خلال ماكتبه من رسائل شعرية للكثير من الفلاسفة والأدباء والشعراء موصلاً لهم رسالته التي يرغب ايصالها وكذلك اثرائه مواضيع لاتحصى في نتاجه الشعري والأدبي في كافة مناحي الحياة وبخاصة الجانب الصوفي والفلسفي.

3 - مناداته وبإصرار العرب

خاصة بضرورة العودة إلى المنبع الصافي الأول منبع النبي صلى الله عليه وسلم مندداً بالمتشددين بالدين من خارج القرآن الكريم والسنة النبوية كما أن له آراء ترفض النظام العلماني وكذلك النزعة القومية في عدد من القصائد والأبيات.

4 - تأثره الكبير بعدد من الفلاسفة العرب والفرس وغيرهم

وكما سبق القول لانستطيع أن نفي هذا الشاعر حقه ويكفي أن أورد في هذا الصدد مقولة الشيخ أبي الحسن الندوي رحمه الله عن محمد اقبال:

“إن جل ماأعتقده أن اقبال شاعر أنطقه الله ببعض الحكم والحقائق في هذا العصر أنطقه الله الذي أنطق كل شيء أنطقه الله كما أنطق الشعراء والحكماء قبل عصره وفي غير عصره.. أشهد على نفسي أني كلما قرأت شعره جاش في خاطري وثارت عواطفي وشعرت بدبيب المعاني والأحاسيس في نفسي وبحركة للحماسة الاسلامية في عروقي وتلك قيمة شعره وأدبه في نظري”.

وكثيرة جداً المقولات والاشادات بفكر هذا الشاعر وفلسفته وأخلاقه وأدبه لايتسع المقام لذكرها أو شيء منها ويكفي أن نشير إلى شيء من نتاج هذا الشاعر العظيم إجمالاً ثم نتطرق إلى بعض إنتاجه الشعري مقتطفين من بعض دواوينه شيئاً من القصائد التي اشتهرت خلال القرن المنصرم ولاتزال تحمل ذاك الصدى إلى الآن ثم نتطرق إلى ذكر بعض انتاجاته.

دواوين إقبال «المكتوبة بالفارسية»

1 - الأسرار والرموز.

ويمثل فكرة الذاتية لدى محمد اقبال وفيه يدعو إلى تقوية الذات لأنها أصل اثبات الهوية وسر بقائها.

2 - رسالة الشرق.

ويضم في دفتيه شيئاً من الشعر الأخلاقي والاجتماعي وكذلك من الغرض السياسي.

3 - زبور العجم.

وفيه يدعو الشاعر الشباب المسلم وخاصة شباب الشرق إلى تبني فكرة الروح الجديدة في العالم ليبني عالم تسوده قيم المحبة والإخاء والانسانية.

4 - هدية الحجاز.

ويضم قصائد قصيرة متعددة الأغراض ويضم قصيدة بعنوان(برلمان ابليس) وفيها يطرح محمد اقبال نظرته لكثير من المذاهب السياسية وزعمائها.

5 - رسالة الخلود.

وهو ابداع خيالي من خيال الشاعر وفيه بسط للفلسفة الدينية الصادقة من خلال رؤية الشاعر نفسه وفكره وعقيدته وثقافته.

6 - ماذا ينبغي أن نصنع ياأمم الشرق؟

ويبدو من خلال العنوان أنه استفهام انكاري وجهه الشاعر إلى أمم الشرق جميعاً وخاصة العرب والمسلمين وفيه يدعو إلى الوحدة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والعودة إلى القرآن والسنة لمواجهة الآخر المعتدي الظالم الذي يعيث بهذه الشعوب ومقدراتها ويحطم اثنياتها ومقدساتها.

دواويين «كتبها الشاعر بالإردية»:

1 - صلصلة الجرس.

وهو من أوائل ماكتب محمد اقبال ويشمل على كثير من قصائد الأطفال والعشق ومحاكاته الطبيعة وهو من أكثر الدواوين قراءة ومنه اخترنا قصيدتي شكوى وجواب شكوى ونشيد”المسلم” لتكون نموذجاً لكتاب في «الجمهورية».

2 - جناح جبريل.

وهو ماضمن فيه بكائياته على اطلال عدد من المآثر الاسلامية التي اندثرت في أسبانيا والمغرب وفلسطين وفيه قصيدة محادثة مع الشاعر جلال الدين الرومي ومنها تبرز لنا أهم أفكار ورؤى محمد اقبال وقد اخترنا هذه القصيدة كذلك لتكون مع سابقاتها من الديوان الأول كنموذج للكتاب في «الجمهورية».

3- ضرب الكليم.

وفيه يطرح الشاعر نظرته السياسية وفيه نظرات متعدده عن الإسلام والتربية والمرأة والفنون وغير ذلك.

4 - لم يكتب الشاعر بالعربية وربما ذلك يكون راجعاً إلى موقفه من العرب أنفسهم الذي يحملهم مسئولية وضعهم الذي وصلوا إليه ومن أعجب العجائب أن أجزاء من القصيدتين ( شكوى وجواب شكوى) قد غنَّا بهما فنانتان قديرتان ( أم كلثوم العربية ونور جيهان الباكستانية ) وكلاهما تلقب بكوكب الشرق.

رسالة إلى المقالح :

إلى أستاذنا الدكتور عبدالعزيز المقالح أذكركم أنكم أخبرتموني ذات يوم أنكم قد انتهيتم من إعداد كتاب عن هذا الشاعر العظيم ولاأدري هل صدر هذا الكتاب أم لا وفي اعتقادي أنه سيكون رائعاً وأنت تتناوله في جوانبه الفنية الموضوعية لاسيما وأن بينك وبين هذا الانسان قواسم مشتركة واذكرك في هذه المناسبة بقول الشاعر:

تأخرت عن وعد الهوى ياحبيبنا وماكنت عن وعد الهوى تتأخر

ولمزيد من الاطلاع عن شعر وحياة الشاعر محمد اقبال لاأجد أفضل من كتاب أعده الأستاذ سيد عبدالماجد الغوري في جزأين وطبع مؤخراً في طبعة أنيقة عن دار ابن كثير الطبعة الثالثة 2007م دمشق- بيروت.





الشكوى(حديث الروح)

شكوايّ أم نجوايّ في هذا الدُّجى

ونجوم ليلي حُسَّدي أم عُوَّدي

أمسيتُ في الماضي أعيشُ كأنما

قطعَ الزّمانُ طريق أمسي عن غدي

والطيـر صادحةٌ على أفنانها

تُبكي الرّبا بأنينها المتجدّدِ

قدطال تسهيدي وطال نشيدها

ومدامعي كالطلِّ في الغصن النَّدِي

فإلى متى صمتي كأني زهرةٌ

خرساء لم ترزق براعة منشد

< < <

قيثارتي مُلِئَت بأنّات الجوى

لابد للمكبوت من فيضّانِ

صعدتْ إلى شفتي بلابل مهجتي

ليَبِين عنها منطقي ولساني

أناما تعدّيت القناعة والرضا

لكنما هي قصة الأشجانِ

أشكو وفي فميَ الترابُ وإنما

أشكو مصاب الدين للدَّيَّانِ

يشكو لك اللهمَّ قلب لم يعش

إلا لحمدِ عُلاك في الأكوانِ

< < <

قد كان هذا الكون قبل وجودنا

روضاً وأزهاراً بغير شَمِيمِ

والورد في الأكمام مجهول الشّذا

لا يُرتجى وردٌ بغير نسيمِ

بل كانت الأيّام قبل وجودنا

ليلاً لظالمها وللمظلومِ

لما أطلّ (محمدٌ) زكت الرَّبى

واخضر في البستان كل هشيم ِ

وأذاعت الفردوس مكنون الشذى

فإذا الورى في نضرةٍ ونعيمِ

< < <

من كان يـهتف باسم ذاتك قبلنا

من كان يدعو الواحد القهارا

عبدوا تماثيـل الصخور وقـدّسوا

من دونك الأحجار والأشجارا

عبدوا الكواكب والنجوم جهالةً

لم يبلُغوا من هديها أنوارا

هل أَعلن التوحيد داعٍ قبلنا

وهدى الشعوب إليك والأنظارا؟

كنا نُقَدِّم للسيوف صدورنا

لم نخش يوماً غاشماً جبارا

< < <

قد كان في اليونان فلسفةٌ وفي

الرومان مدرسةٌ وكان الـمُلكُ في ساسانِ

لم تغن عنهم قوةٌ أو ثروةٌ

في المالِ أو في العلمِ والعِرفانِ

وبكل أرض ( سامريٌ ) ماكرٌ

يكفي اليهود مؤونةَ الشيطانِ

والحكمة الأولى جرت وثنيةً

في الصين أو في الهند أو طورانِ

نحن الذين بنور وحيك أوضحوا

نهج الهدى ومعالم الإيمانِ

< < <

من ذا الذي رفع السيوف ليرفع

اسمك فوق هامات النجوم منارا

كنا جبالاً في الجبال وربما

سرنا على موج البحار بحارا

بمعابد الإفرنج كان أذاننا

قبل الكتائب يفتح الأمصارا

لم تنس أفــريقيا ولا صحراؤها

سجداتنا والأرض تقذف نارا

وكأنّ ظِل السيف ظِلَّ حديقـــةٍ

خضراء تُنبـت حولنا الأزهارا

< < <

لم نخش طاغوتاً يحاربنا ولو

نصب المنايا حولنا أسوارا

ندعو جهاراً لا إله سوى الذي

صنع الوجود وقدّر الأقدارا

ورؤوسنا يا رب فوق أكُفِّنا

نرجو ثوابك مغـــنماً وجوارا

كنا نرى الأصنام من ذهب

فنهدمها ونهدم فوقها الكفارا

لو كان غير المسلمين لحازها

كنزاً، وصاغ الحلْيّ والدِّينارا

< < <

كم زُلزل الصّخر الأشمُّ فما وهى

من بأسنا عزم ولا إيمانُ

لو أن آساد العرين تفزَّعت

لم يلق غير ثباتنا الميدانُ

وكأن نيران المدافع في صـدور

المؤمنين الروح والريحانُ

توحيدُك الأعلى جعلنا نقشه

نوراً تضيء بصُبحه الأزمانُ

فغدت صدور المؤمنين مصاحفـاً

في الكون مسطوراً بها القرآنُ

< < <

من غيرنا هدم التماثيل الّتي

كانت تقدسها جهالات الورى ؟

حتى هوت صور المعابد سُجّداً

لجلال من خلق الوجودَ وصوّرا

ومن الأُلى حملوا بعزم أكُفّهم

باب المدينة يوم غزوة خيبرا ؟

أمّن رمى نار المجوس فأُطفئت

وأبان وجه الحق أبلج نيِّرا ؟

ومن الذي بذل الحياة رخيصةً

ورأى رضاك أعزّ شيْ فاشترى ؟

< < <

نحن الذين استيقظت بأذانهم

دنيا الخليقة من تهاويل الكرى

نحن الذين إذا دُعُوا لصلاتهم

والحرب تسقي الأرض جاماً أحمرا

جعلوا الوجوه إلى الحجاز وكبّروا

في مسمع الروح الأمين فكبّرا

محمود مثل إياز قام كلاهما

لك بالخشوع مصلياً مستغفراً

والعبد والمولى على قدم التُّقى

سجدا لوجهك خاشعين على الثّرى

< < <

بلغت نهاية كل أرض خيلنا

وكأن أبحرها رمال البيدِ

في محفل الأكوان كان هلالنا

بالنصر أوضح من هلال العيدِ

في كل موقعة رفعنا راية

للمجد تعلن آية التوحيدِ

أُمم البرايا لم تكن من قبلنا

إلا عبيداً في إسار عبيدِ

بلغـت بنا الأجيال حُرِّياتها

من بعد أصفادٍ وذلِّ قُيًودِ

< < <

رحماك ربي هل بغير جباهنا

عُرف السجودُ ببيتك المعمورِ ؟

كانت شغاف قلوبنا لك مصحفاً

يحوي جلال كتابك المسطورِ

إن لم يكن هذا وفاءً صادقاً

فالخلق بالدنيا بغيرِ شعورِ

ملأ الشعوب جُناتُها وعُصاتها

من ملحدٍ عاتٍ ومن مغرورِ

فإذا السحاب جرى سَقاهم غيثه

واختصّنا بصواعق التدميرِ

< < <

قد هبّت الأصنام من بعد البلى

واستيقظت من قبل نفخ الصّورِ

والكعبة العليا توارى أهلها

فكأنهم موتى لغيرنشورِ

وقوافل الصحراء ضل حُداتها

وغدت منازلها ظلال قبورِ

أنا ما حسدت الكافرين وقد غدو

في أنعُمٍ ومواكبًٍ وقصورِ

بل محنتي ألا أرى في أمّتي

عملاً تُقدمه صَداقَ الحُورِ

< < <

لك في البريّة حكمةً ومشيئةً

أعيت مذاهبها أُولى الألبابِ

إن شئت أجريت الصّحارى أنهراً

أو شئت فالأنهارُ موجُ سرابِ

فإذا دُهي الإسلامُ في أبنائه

حتى انطووا في محنةٍ وعذابِ ؟

فثراؤهم فقرٌ ودولة مجدهم

في الأرض نهبُ ثعالبٍ وذئابِ

عاقَبْتنا عدلاً فهب لعدونا

عن ذنبه في الدهر يوم عقابِ

< < <

عاشوا بثروتنا وعشنا دونهم

للموت بين الذل والإملاقِ

الدين يحيا في سعادة أهله

والكأس لا تَبقى بغير الساقي

أيـن الذين بنار حبك أَرسلُو

الأنوار بين محافل العشاقِ

سكبوا الليالي في أنين دموعهم

وتوضؤوا بمدامع الأشواقِ

والشمس كانت من ضياء وجوههم

تُهدي الصباح طلائع الإشراقِ

< < <

كيف انطوت أيامهم وهم الأُلى

نشروا الهدى وعلوا مكان الفرقدِ ؟

هجروا الديارفأين أزمع ركبهم

من يهتدي للقوم أو من يقتدي ؟

يا قلبُ حسبك لم تُلِمَّ بطيفهم

إلا على مصباح وجه محمدِ

فازوا من الدنيا بمجدٍ خالدٍ

ولهم خلودُ الفوز يوم الموعدِ

يا ربِّ ألهمنا الرشاد فما لنا

في الكون غيرك من وليٍّ مرشدِ

< < <

ما زال قيسٌ والغرام كعهده

وربوع ليلى في ربيع جمالها

وهضاب نجد من مراعيها المها

وظباؤها الخفراتُ ملءُ جبالها

والعشق فيّاضٌ وأمة أحمد

يتحفّزُ التاريخ لاستقبالها

لو حاولت فوق السماء مكانةً

رفّت على شمس الضحى بهلالها

ما بالها تلقى الجدود عواثراً

وتصدهاالأيام عن آمالها

< < <

هجْرُ الحبيب رمى الأحبة بالنَّوى

وأصابهم بتصرُّم الآمالِ

لو قد مللنا العشق كان سبيلُنا

أو نستكين إلى هوى وضلالِ

أو نصنع الأصنام ثم نبيعها

حاشا الموحد أن يَذِلَّ لمالِ

أيام سلمان بنا موصولة

وتُقى أويس في أذان بلالِ

< < <

يا طيب عهد كنت فيه منارنا

فبعثت نورالحق من فاران

وأسرت فيه العاشقين بلمحة

وسـقيتهم راحاً بغير دِنَانِ

أحرقت فيه قلوبهم بتوقُّد

الإيمان لابتلهُّب النيرانِ

لم نبق نحن ولا القلوب ، كأنها

لم تحظ من نارالهوى بدُّخانِ

إن لم يُنر وجه الحبيب بوصله

فمكان حُزن القلب كلُّ مكانِ

< < <

يا فرحة الأيام حين نرى بها

روض التّجلّي وارف الأغصانِ

ويعود محفلنا بحُسنك مُسفراً

كالصُّبح في إشراقه الفينانِ

قد هاج حزني أن أرى أعداءنا

بين الطِّلا والظِّل والألحانِ

ونعالج الأنفاس نحن ونصطلي

في الفقر حين القوم فـي بستانِ

أشرِقْ بنورك وابعث البرق القديم

بومضةٍ لفراشك الظَّمآنِ

< < <

أشواقنا نحو الحجاز تطلعت

كحنين مغترب إلى الأوطانِ

إنَّ الطيور وإن قصَصتَ جناحها

تسمو بفطرتها إلى الطَّيرانِ

قيثارتي مكبوتةٌ ونشيدُها

قد ملّ من صمتٍ ومن كتمانِ

واللَّحن في الأوتار يرجو عازفاً

ليبوح من أسراره بمعان ِ

والطُّورُ يرتقب التجلّي صارخاً

بهوى المشُوق ولهفةِ الحيرانِ

< < <

أكبادنا احترقت بأنَّات الجوى

ودماؤنا نهرالدموع القاني

والعطر فاض من الخمائل والرُّبا

وكأنه شكوى بغير لسانِ

أوليس من هول القيامة أن يكون

الزَّهر نمَّاماً على البستانِ

النمل لايخشى سليماناً إذا

حرست قُرَاه عناية الرحمنِ

أرشد براهِمَة الهنودُ ليرفعوا

الإسلام فوق هياكل الأوثان ِ

< < <

ما بال أغصان الصنوبر قد نأت

عنها قماريها بكل مكانِ

وتعرَّت الأشجار من حلل الرُّبا

وطيورها فرَّت إلى الوديانِ

يا ربِّ إلا بلبلاً لم ينتظر

وحيَ الربيع ولا صَبا نيسانِ

ألحانه بحرٌ جرى متلاطماً

فكأنه الحاكي عن الطوفانِ

يا ليت قومي يسمعون شِكايةً

هي في ضميري صرخةُ الوجدانِ

< < <

إن الجواهر حيَّرت مرآة هذا

القلب فهو على شفا البركانِ

أسمِعهُمو يا ربِّ ما ألهمتني

وأعدْ إليهم يقظة الإيمانِ

وأذقهم الخمر القديمة إنها

عين اليقين وكوثر الرضوانِ

أنا أعجمي الدَّنِّ لكن خمرتي

صُنع الحجاز وكرمها الفَيْنَانِ

إن كان لي نغمُ الهنود ولحنُهم

لكن هذا الصوت من عدنانِ





جواب الشكوى

« غنت أم كلثوم العربية ونور جيهان الباكستانية بعض هذه الأبيات»

نظم محمد إقبال بعد قصيدة الشكوى هذه القصيدة قصيدة وضّح فيها تقصير المسلمين, وإهمالهم لدينهم, وعدم إتقانهم أمر الدنيا, تبريراً لما جوزوا به من الخزي والهوان, وسرعان ماتغنى بهاتين القصيدتين الأطفال, والشباب, وحفظهما الرجال, والنساء, وسارتا مسير الرياح وطارتا بغير جناح.

كلام الرُّوح للأرواح يسري

وتدركه الـقلوب بلا عـناءِ

هتفتُ به فطار بلا جـناح

وشقَّ أنينُه صدر الفضاءِ

ومعدنُه تـُُرابيٌ ولكن

جرتْ في لفظه لغة السماء ِ

لقد فاضت دموع العِشقِ مني

حـديثا كان عُلوي النـِّـداء ِ

فحلَّق في ربـا الأفلاك حتَّى

أهاج العالم الأعلى بكائي

< < <

تحاوَرَت النجوم، وقلن صوتٌ

بقرب العرش موصول الدُّعاء ِ

وجاوبت المجرَّة عـلّ طـيفاً

سرى بين الكواكب فـي خفاء ِ

وقال البدر: هذا قلب شاكٍ

يواصل شدوه عند المساءِ

ولم يعرف سوى رضوانُ صوتي

وما أحراه عندي بالوفاءِ

ألم أكُ قـبل في جنّات عدنٍ

فأخرجني إلى حينٍ قضائي

< < <

وقيل هـو ابن آدم في غرور

تجاوز قدره دون ارعِواءِ

لقد سجدت ملائكة كرامْ

لهذا الخلق من طين وماء ِ

يُظنُّ العلم في كيفٍَ وكمْ

وسر العجز عنه في انطواء ِ

وملءُّ كؤوسـه دمع وشكوى

وفي أنغامه صوت الرَّجاءِ

فيا هذا لقد أبلغت شيئاً

وإن أكثرت فيه من المِراءِ

< < <

عطايانا سحائب مُرسَلاتٍ

ولكــن ما وجدنا السَّائلينا

وكلُّ طريقنا نَورٌ ونُورٌ

ولكن ما رأينـا السالكينا

ولم نجدِ الجواهر قابلاتٍ

ضياء الوحي والنور المبينا

وكان تراب آدم غيرَ هذا

وإن يكُ أصله ماء وطينا

ولو صدقوا وما في الأرض نهرٌ

لأجرينا السماء لهم عيونا

< < <

وأخضعنا لمُلكهم الثُّريا

وشيّدنا النجوم لهم حصونا

ولكن ألحدوا في خير دينٍ

بنى في الشمس ملك الأولينا

تراث محمدٍ قد أهملوه

فعاشوا في الخلائق مهملينا

توّلى هادمو الأصنام قُدماً

فعاد لها أولئك يصنعونا

أباهم كان إبراهيم لكن

أرى أمثال آزر في البنينا

< < <

وفي أسلافكم كانت مزايا

بكل فمٍ لذاكرها نشيدُ

تضوعُ شقائقُ الصحراءِ عِطْراً

بريَّاها، وتبتسمُ الورودُ

فهلْ بقيتْ محاسنـُهم لديكم

فيجملُ في دلالكم الصُّدود ُ

لقد هاموا بخالقهم فناءً

فلم يُكتب لغيرهِم الخلودُ

وكوثرُ أحمد منكم قريبٌ

ولكنْ شوقكم عنه بعيدُ

< < <

وكمْ لاح الصَّباحُ سَنـاً وبشـرى

وأذَّنتِ القَماري والطّيورُ

وكبَّرت الخمائل في رُباها

مصلِّيةً فجاوبها الغديرُ

ونوم صباحكم أبداً ثقيلٌ

كأنَّ الصبح لم يدركه نورُ

وأضحى الصَّوم في رمضان قيداً

فليس لكم به عزمٌ صبورُ

تمدَن عصرُكم جمع المزايا

وليس بغائبٍ إلا الضميرُ

< < <

لقد ذهب الوفاءُ فلا وفاءً

وكيف ينالُ عهدي الظَّالمينا

إذا الإيمانُ ضاعَ فلا أمانٌ

ولا دُنْيا لمن لم يُحْيِ دِينا

ومَنْ رَضيَ الحياةََ بغير دينٍ

فقد جعل الفناء لها قرينا

وفي التوحيد للْهِمَم ِاتِّحادٌ

ولنْ تبنوا العُلا مُتفرِّقينا

تساندتِ الكواكبُ فاستقرَّتْ

ولولا الجاذبِيَّةُ ما بقِينا

< < <

غدَوْتُمُ فِيْ الدِّيَارِ بِلا دِيَارٍ

وَأَنْـُتمْ كَالطُّـيُوْرِ بِلا وُكُوْرِ

وُكُل صَوَاعِقِ الدُّنْيَا سِهَامٌ

لِبَيْدَرِكُـمُ ، وَأَنْتُمْ فِيْ غُرُوْرِِ

أهَذَا الفَقْرُ فِيْ عِلْمٍ وَمَالٍ

وَأنْتُمْ فِيْ الْقَطِيْعَةِ وَالنُّفُوْرِ ؟

وَبَيعُ مَقَابِرِ الأجْدَادِ أضْحَى

لَدَى الأحْفادِ مَدْعَاةُ الظُّهُوْرِ

سَيُعْجَبُ تَاجِرُو الأصْنَامِ قُدْماً

إذَا سَمعوا بتُجَّارِ القُـُبوْرِ

< < <

منِ المُتَقَدِّمُينَ إلَى الْمَعالِي

عَلَى نَهجِ الْهِدَايَةِ وَالصَّوَابِ

وَمِنْ جَبَهَاتِهِمْ أنْوَارُ بَيِتي

وَفِي أخْلاقِهِمْ يُُتْلَى كِتَابِي

أَمَا كانوا جُدُوْدُكُمْ الأوَالِي

بُنَاةَ الْمَجْدِ وَالْفَنِّ الْعُجَابِ

وَلَيْسَ لَكُمْ مِنَ الْمَاضِي تُرَاثٌ

سِوَى شَكْوَى اللَّغوب وَالاكْتِئابِ

وَمَنْ يَكُ يَوْمُهُ فِيْ الْعَيْشِ يأساً

فَمَا غَدُهُ سِوَى يَوْمِ الْعَذَابِ

< < <

أتَشْكُو أنْ تَرَى الأقْوَامَ فَازُوْا

بِـمَجْدٍ لايَرَاهُ النَّائِـمُونَا

مَشَوْا بِهَدَي أوَائلِكُمْ وَجَدُّوْا

وَضَيَّعْتُمْ تُرَاثَ الأوَّلِيْنَا

أيُحْرَمُ عَامِلٌ وَرَدَ الْمَعَالِي

ويَسْعَدُ بِالرُّقِيِّ الْخَامِلُوْنَا

ألَيْسَ مِنَ الْعَدَالَة ِأنَّ أرْضِي

يَكُوْنُ حَصَادُهَا للزَّارِعِيْـنَا

تََجَلِّى النُّورِ فَوْقَ (الطُّوْرِ) بَاقٍ

فَهَلْ بَقِيَ الْكَلِيْمُ بِطُوْرِ سِيْنَا ؟

< < <

ألَمْ يُـبْعَثْ لأُمَّتِكُمْ نَبِيٌّ

يُوَحِّدْكُمْ عَلَى نَهْجِ الْوِئَامِ

وَمُصْحَفُكُـمْ وَقِبْلَتُكُمْ جَمِيْعاً

مَنَارٌ لِلأُخُوَّةِ وَالسَّلامِ

وَفَوْقَ الْكُلِّ رَحْمنٌ رَحِيْمٌ

إلهٌ وَاحِدٌ رَبُّ الأَنَامِ

فَما لِنَهارِ أُلْفَتِكُمْ تَوَلّى

وَأمْسَيْتُم حَيَارَى فِـيْ الظَّلامِ

وَحُسْنُ اللؤلُؤ الْمَكْنُوْنِ رَهْنٌ

بِصَوْغِ الْعِقْدِ فِيْ حُسْنِِ النِّظَامِ

< < <

وكيف تغيَّرت بكمُ اللَّيالي

وكيف تفرَّقت بكمُ الأماني

تركتم دينَ أحمدَ ثم عُـدْتُـم

ضحايا لِلْهوى أو للهوانِ

رقيُّ الشَّعبِ قد أضحى لديكم

تقرِّرُه صلاحيةُ الزمانِ

وكيف تُقاسُ أوهامٌ ولغوٌ

بحكمة منزلِ السَّبع المثاني

أرى ناراً قد انقلبت رماداً

سوى ظل مريضٍ من دخانِ

< < <

أرى الفقراءَ عبّاداً تقاةً

قياماً في المساجد راكعينا

هم الأبرارُ في صومٍ وفطرٍ

وبالأسحارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونا

وليس لكم سوى الفقراء سترٌ

يواري عن عيوبكم العُيُونا

أضلَّت أغنياءكم الملاهي

فهم في ريبهم يتردَّدونا

وأهلُ الفقر ما زالوا كنوزاً

لدينِ الله ربَّ العالمينا

< < <

أرى التفكيرَ أدركهُ خمولٌ

ولم تبقَ العزائمُ في اشتعالِ

وأصبحَ وَعْظُكم من غير سِحْرٍ

ولا نورٌ يُطِلُّ من المقالِ

وعند النَّاس فلسفةٌ وفكرٌ

ولكن أين تلقين (الغزالي)

وجلجلَةُ الأذان بكلِّ أرضٍ

ولكن أين صوتٌ من بلالِ

منائرُكم علتْ في كلِّ حيٍّ

ومسجدُكم من العباَّد خالي

< < <

فأَينَ أئمةٌ وجنودُ صدقٍٍ

تهابُ شَبَاةَ عزمهمُ الحرابُ

إذا صنعوا فصنعهمُ المعالي

وإنْ قالوا فقولُهم الصَّوابُ

مرادُهم الإلهُ فلا رياءٌ

ونهجهمُ اليقين فلا ارتيابُ

لأمَّتهمْ وللأوطانِ عاشوا

فليس لهم إلى الدُّنيا طِلابُ

كمثل الكأس تُبْصِرُها دِهاقاً

وليس لأجلها صُنِع الشَّرابُ

< < <

جهادُ المؤمنين لهمْ حياةٌ

ألا إنَّ الحياةَ هيَ الجهادُ

عقائدُهم سواعدُ ناطقاتٌ

وبالأعمال يثبتُ الاعتقادُ

وخوفُ الموتِ للأحياء قبرٌ

وخوفُ اللهِ للأحرار زادُ

أرى ميراثهم أضحى لديكم

مضاعاً حيثُ قد ضاعَ الرَّشادُ

وليس لوارثٍ في الخير حظٍّ

إذا لم يحفظِ الإرث اتِّحادُ

< < <

لأيِّ مآثر القوم انْتَسَبْتُم ؟

لتكتسبوا فخارَ المُسلمينا

فأين مقامُ ذي النُّورين منكم

ودولةُ عزِّه دُنيا ودِيْنَا

وفقرُ عليٍّ الأواب هلاّ

ربحتم فيه كنزَ الفاتحينا

أقمتمْ في الذُّنوب وفي الخطايا

وتغتابون حتَّى الصَّالحينا

وهم ستروا عيوب الخلق فضلاً

وإن كانوا أبرَّ المُتَّقينا

< < <

أريكةُ قيصَرٍ وسريرُ كِسرى

قد احْتَمَيا بملكهم العَمِيمِ

وأنتم تطمحون إلى الثُّـريا

بلا عزمٍ ولا قلبٍ سليمِ

تضيعون الإخاء وهم أقاموا

صروحَ إخائهم فوق النُّجومِ

< < <

طلبتُمْ زهرةَ الدنيا وعدْتُم

بلا زهرٍ يضوعُ ولا شميمِ

وكان لديهم البستان محضاً

وهم أصحاب جنات النَّعيمِ

< < <

يُعيدُ الكونُ قصَّتهم حديثاً

ويُنشىء منْ حديثهمُ الفنونا

فكمْ نَزَحُوا عنِ الأوكارِ شَوْقاً

إلى التَّحْلِيقِ فَوْق العالمينا

ويأسُ شبابكم أدمى خطاهم

فظنُّوا فيه بالدِّين الظُّنونا

هي المدنَّيةُ الحمقاءُ ألقتْ

بهم حول المذاهب حائرينا

لقد صنعتْ لهم صنمَ الملاهي

لتحجبَ عنهم الحَرَمَ الأمينا

< < <

لقد سئم الهوى في البِيْدِ قَيْسٌ

وملَّ من الشِّكاية والعذابِ

ويحاولُ أن يُباح العِشْقُ حتى

يرى ليلاه وهي بلا حجابِ

يريدُ سفور وجهِ الحُسن لمَّا

رأى وجهَ الغرام بلا نقابِ

فهذا العهد أحرقَ كلَّ غرسٍ

من الماضي وأغلقَ كلَّ بابِ

لقد أفنت صواعقُه المغاني

وعاثتْ في الجبال وفي الهضابِ

هي النَّارُ الجديدة ليس يُلقى

لها حطبٌ سوى المَجْدِ القديمِ

خُذوا إيمانَ إبراهيمَ تَنْبُتْ

لكمْ في النَّار روضاتُ النَّعيمِ

ويذكو من دم الشهداء وردٌ

سَنِيُّ العطر قدسيُّ النَّسيمِ

ويلمعُ في سماء الكون لونٌ

من العُنَّاب مخضوبُ الأديمِ

فلا تفزعْ إذا المَرْجَانُ أضحى

عقوداً للبراعمِ والكُرومِ

< < <

فكم زالت رياض من رباها

وكم بادت نخيل في البوادي

ولكن نخلة الإسلام تنمو

على مر العواصف والعوادي

ومجدك في حمى الإسلام باق

بقاء الشمس والسبع الشدادِ

وإنك يوسف في أي مصرِ

يرى كنعانه كل البلادِ

تسير بك القوافلٌ مسرعاتِ

بلاجرسِ ولاترجيعِ حاديِ

< < <

ضياوك مشرق في كل أرض

لأنك غير محدودِ المكانِ

بغت أمم التتار فأدركتها

من الإيمان عاقبة الأمانِ

وأصبح عابدو الأصنام قدماً

حماة الحجر والركن اليماني

فلا تجزع فهذا العصر ليل

وأنت النجم يشرق كل آنِ

ولاتخش العواصف فيه وانهض

بشعلتك المضيئة في الزمانِ

< < <

أعد من مشرق التوحيد نوراً

يتم به اتحاد العالمينا

وأنت العطر في روض المعالي

فكيف تعيش محتبساً دفينا

وأنت نسيمه فاحمل شذاه

ولاتحمل غبار الخاملينا

وأرسل شعلة الإيمان شمساً

وصغ من ذرة جبلاً حصيناً

وكن في قمة الطوفان موجاً

< < <

ومُزناً يمطر الغيث الهتونا

فباسم محمد شمس البرايا

أقيمت خيمة الفلك المنيرِ

تلألأ في الرياض وفي الصحاري

وفوق الموج والسيل المغيرِ

ونبض الكون منه مستمد

حرارته على مر العصورِ

ومن مراكش يغزو صداه

ربوع الصين بالصوت الجهيرِ

وما مشكاة هذا النور إلا

ضمير المسلم الحر الغيورِ

< < <

ورفع الذكر للمختار رفع

لقدرك نحو غايات الكمال

فكن إنسان عين الكون واشهد

مقامك عالياً فوق المعالي

بخنجر عزمك الوثاب لاحت

على الأعلام أنوار الهلالِ

نداؤك في العناصر مستجابُ

إذا دوى بصوت من بلالِ

وعقلك في الخطوب أجلُّ درعِ

وعشقك خير سيف للنضالِ

< < <

خلافة هذه الأرض استقرت

بمجدك وهو للدنيا سماءُ

وفي تكبيرك القدسيِّ يبدو

صغيراً كل ما ضمَّ الفضاءُ

فيا من هبَّ للإسلام يدعو

وأيقظ صدق غيرته الوفاءُ

سترفع قدرك الأقدار حتى

تشاهد أنَّ ساعدك القضاء

وقيل لك احتكم دنيا وأخرى

وشأنك والخلود كما تشاءُ

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الفضول - ( عبد الله عبد الوهاب نعمان ) - ليتني ماعرفته...!!

التصوير الفني في القرآن ...ل.سيد قطب ...الناقد الفذ 1ـــ3