من كتاب عبقرية المعنى لعبدالله البردوني الذي صدر بالقاهرة عن دار عناوين بعنوان بردونيات وتشرفت باعداده للنشر وكتابة المقدمة 1
.................................................................................
كانت القبائل العربية في الجاهلية تختار لأولادها الأسماء الخشنة لقصد إفزاع العدو ولكي تدل على الافتراس، فكانت الأسماء تتوالى من هذا الطراز (أسد – نمير – صخر- حرب – جندل – علقمة...الخ)
وكانوا يختارون لعبيدهم الأسماء الأنيسة، وقالوا إن هؤلاء يأنسون فنحب لهم الأسماء الأليفة المأنوسة لأنهم خدامنا أما أبناؤنا فننتقي لهم الأسماء الحربية وهذا صحيح فإن وقع الاسم الخشن يستفز السمع لأن حروفه كانت تتركب من حروف القلقلة، ومن حروف الدلاقة ومن الحروف السائلة وظل هذا التقليد إلى آخر القرن السابع الميلادي، وحين ولد رسول الله ص كان أبوه قد أجاب اليقين وهو أولى بتسميته فناب عنه عمه لأن حق الأم في التسمية يأتي بعد الأب أو من ينوب عنه فوقع الاختيار على اسم (محمد) وما كان هذا كثير الشيوع بل كان يدنو من الندرة فكان النبي ثالث اسم في عصر ميلاده ولم يكن سابقوه من المشاهير الحربيين أو الشعراء أو الخطباء وإنما كانوا من غمار الناس.
وعندما ورد النبي الكعبة لاقى قريش تختصم على من يرد الحجر الأسود إلى مكانه بعد سقوطه فارتأى النبي أن يضع القوم الحجر الأسود في رداء لكي يحمله أربعة.. وبهذا حسم أول خلاف، وكان هذا الحسم مشهوداً لأنه أتى من صبي عرف بالأمانة من بداية حداثته فلقبوه الأمين.
وكان هذا اللقب آتيا من عمله في تجارة خديجة بنت خويلد التي رأت أموالها تزيد أرباحاً غير معهودة، وبثت هذا الخبر عن محمد، فتكون لقبه من تلك الصفة كما هي نشأة الألقاب التي يبتدعها أتراب الملاعب، وزملاء المدارس، ورفاق العمل، لأنهم بطول الخلطة عرفوا من أصحابهم كل ظواهرهم النادرة أو الغريبة، فهذا لقبوه من وحي كلمة قالها.. (كالمخشرم) الذي أخبر أن تمر بني النجار (مخشرم) فاستلطفوا هذه الكلمة من الطفل زهير بن غالب فلقبوه (المخشرم) وقد يأتي اللقب من ظاهرة جسمية كمن يحمل ست أصابع، فإنه يلقب بـ(الزائد أو المسدس) أو المزيد.. أو ذو الإصبع.. وقد يأتي اللقب استلطافا مثل (عبيد) تصغير عبد، ولعل سببه تدليل أمومي شاع في الجيران.
وبعد ميلاد الرسول ص شاعت أمانته وكانت من مؤهلات قبول دعوته إذ صارت مثلاً شائعاً فقيل عن أي موصوف له أمانة (أبو القاسم) وفي رواية عن اسم النبي أنه في الأرض محمد، وفي السماء أحمد، وفي الجنة أبو القاسم.. وهذا يدل على أنه انجب ولداً فتكنى به وإنما تأتي الكنى عن ثقافة اجتماعية، كما تأتي التسمية عن ثقافة بيتية.
لهذا يسمي الفقهاء أولادهم بأسماء مشاهير الفقهاء وبعضهم يتفاءل بالتسمية فيختار اسم (ولي) أو (نبي) لأنه يحب أصحاب المعجزات والكرامات وكذلك الأب الحربي فإنه يسمي أولاده بأسماء مشاهير الحرب وعلى هذا اجتمعت لمحمد الصفات المتألقة كلها كالمعجزة، والكرامة والفراسة.. وصدق الحديث إلى جانب العناية الربانية على أن هذه ليست قواعد مضطردة فهناك أعلام بلا لقب أو كنية وهناك من يحمل الكنية، والاسم واللقب ولا تدل.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الفضول - ( عبد الله عبد الوهاب نعمان ) - ليتني ماعرفته...!!

التصوير الفني في القرآن ...ل.سيد قطب ...الناقد الفذ 1ـــ3

حديث الــــــــــروح ....للمفكر الاسلامي الباكستاني /محمـــــــد إقبالْ 1ـــ3